-A +A
طارق على فدعق
أجد بعض الصعوبة أن أتغزل بجمال لمبة، ولكن هذه السلعة العجيبة تستحق التأمل والإعجاب فهي تجسيد رائع لمبدأ السهل الممتنع في التقنية... فضلاً: أنظر في روائعها بدءا من سعرها الذي لا يتجاوز الريال الواحد... وبصراحة أية سلعة تحافظ على مكانة الريال كسقف لابد أن تحوز على إعجابنا... ولكن أنظر أيضا الى دقة تصنيعها وتغليفها... تأتينا من أوروبا أو آسيا أو أمريكا فتقطع آلاف الكيلومترات بدون أن تنجرح أو تنكسر رغم أن غلافها الزجاجي نحيف جدا ولا يتعدى سمك الصفحة التي تقرأها بين يديك الآن بكثير... وجزء من قوة زجاجها يرجع الى خصائصها الهندسية الرائعة... شكلها شبه الكروى يحتوي على ما يشبه القبة... والقباب من أروع الأشكال التي توفر قوة إنشائية إضافية... لاحظ أيضا خفة وزنها ورشاقتها وشفافيتها وتصميمها الاقتصادي الذي لا يحتوى على أية زوائد أو مغلظات لا داعي لها... صحيح أنها تعكس الذكاء والفكر... وعندما تتخيل لمبة بداخل رأس شخص ما فتتخيل عقلاً غنياً بالطاقة الإبداعية... ويقال إن عقل الإنسان يستهلك ما يعادل طاقة لمبة صغيرة في الساعة... بعكس ما تتخيل رأساً بداخله «تليك» مثلا... أعزكم الله... يعنى ما يعادل طاقة عود كبريت مغشوش... ما علينا... ونعود للطاقة فنجد أن مبدأ عمل اللمبة هو مرور طاقة كهربائية من خلال الفتيلة أو السلك الدقيق الذي يولد مقاومة كبيرة لدرجة أنه يشتعل... ولعدم وجود أي هواء بداخل اللمبة لا يحترق و«يتهبب» الفتيل... ولكن هذه العملية في حد ذاتها تحتوى على طرائف علمية جديرة بالذكر... الطاقة التي تتولد بداخل اللمبة معظمها حرارة... وأقل من عشرة بالمائة من تلك الطاقة تتحول الى ضوء وهذا بعكس ما نريد ولكن «هي كده»... تجري اللمبات بما لا تشتهي السفن... ولا مؤاخذة... لاحظ أيضا أن الحرارة تحدد اللون النابع من أي جسم... الفانوس أيام زمان كان نوره أصفر جميلاً لأن فتيلته تحترق على درجة حرارة «باردة» نسبيا... أقل من ألفي درجة مئوية... وأما الإتريك فنوره أقرب الى البياض لأن درجة حرارة فتيلته أعلى... ودرجات الحرارة بداخل اللمبات العادية تصل الى ألفين وخمسمائة درجة مئوية. وبالرغم من ذلك، فمن النادر أن تكون بيضاء ويدخل اللون الأصفر في تكوين نورها... وكمقارنة: فدرجة حرارة سطح الشمس تصل الى الخمسة آلاف وثمانمائة درجة مئوية وتتميز بنورها الناصع البياض... ولا تنخدع بألوان الشروق والغروب فهي بسبب تكوينات الرطوبة والغبار في الغلاف الهوائي الأرضي... وللأسف أن بعض النواحي الجمالية في الغروب تسببها مكونات التلوث التي تراكمت في الأجواء عبر التاريخ... وعلى ذكر سيرة التاريخ نجد أن عمر اللمبات لم يصل الى المائة عام فقد بدأت في 1820 عندما قام «دي لا رو» بتطوير الفكرة ثم تبعه «توماس إديسون» الذي طورها تجاريا وبدأ رواجها في مدينة نيويورك عندما بدأ شركة الكهرباء الأولى هناك... واليوم يقدر إنتاج اللمبات السنوى عالميا بحوالى واحدة لكل إنسان على الكوكب... أكثرمن ستة آلاف مليون لمبة... وكلها غيرت عالمنا فأضاءت ليالينا ووفرت لنا الضوء، ولكنها للأسف لم توفر النور الكافي ولا البصيرة، فانظر في حالات الظلم الفردي والجماعي اليوم على مرأى ومسمع العالم وستصــاب بالإحبــاط وخصوصـا في فلسطــين حيث ترتكب أكبر مخالفات القرن الواحد والعشرين وكأننا نعيش في الظلام الدامس.
* أمنيـــــة

بدأت يومي هذا الصباح بتركيب مجموعة لمبات بداخل منزلي... وأتوقع أن يكون عمرها الافتراضي بإرادة الله عز وجل- حوالى ألف وخمسمائة ساعة لكل منها... وأتوقع أنها ستشع كمية حرارة لا بأس بها خلال فترة شتاء جدة الدافئ، وستساهم في رفع انتاجيتي والتحصيل الدراسي لأولادي... وكل هذا بتكاليف بسيطة جدا... أقل من ريال واحد للقطعة... أتمنى أن نتذكر روائعها اليوم وكل يوم.
والله من وراء القصد.